الاثنين، 24 يناير 2011

"مراكز خدمات المشتركين".. بين بوح المتصل وحرفيّة الموظف

رسم تعبيري لعاملة في مراكز خدمات المشتركين - (MCT)




فوزي باكير

ستُّ ساعاتٍ يمضيها موظّف "مركز خدمات المشتركين" في إحدى الشركات الخاصة (كرم)، قابعاً خلفَ جهاز الحاسوب، مُحاصراً بسمّاعةٍ على أذنيه، وجهاز استقبالِ مكالماتِ المشتركين لا يصمت، ولا يكفُّ عن الرّنين.
وعن رؤيتِه للمجتمع الذي يُطِلُّ عليه من خلال نافذةِ الحاسوب الصغيرة، وتلك السماعة التي تسرُدُ له قصصا ومواقف غريبةً تمرُّ عليه يوميّا، يقولُ كَرَم "أتلقّى في الستّ ساعات حوالي 120 مكاملة، وما يزعجني أننّي أُعرِّف بنفسي 120 مرّة يوميّا، لكن هذه طبيعة عملنا".
ويضيف كرم "أحاول، قدر الإمكان، أن أستمتع في أدائي عملي وخدمة الجمهور"، لافتا إلى ضرورة "أن أكون شخصا إيجابيّا كي أتمكّن من إنجاز مهمتي على أكمل وجه".

"مواقف كثيرة تمر عليّ مع المتصلين"، وفق كرم الذي يرى أن منها ما هو مضحك، وبعضها "يستثير عاطفتي لاسيّما إذا تعلق الموضوع بقضايا شخصية لأناس يتصلون لمجرد الفضفضة".
يروي كرم أحد تلك المواقف "اتصّل بي مرّة مشترك وكان يريد منّي أن أبحث له عن زوجته، عن طريق الكشف عن موقعها من خلال تتبّع جهازها الخلوي"، متابعا "لم يقتنع عندما أجبته أنني لا أستطيع أن أوفر له هذه الخدمة، فاضطررت لإنهاء المكالمة".
ومن المواقف الطريفة التي تعرض لها الموظف في قسم خدمات المشتركين (عمر)، أن رمضان الماضي كان فرصة عند كثيرين للاتصال بالموظفين "للدردشة ريثما يحين موعد أذان المغرب".
أمّا عند فترة السّحور، فيقول عمر "إن بعضهم كان يتصل ليتأكد أننا مستيقظون من باب المداعبة، وآخرون يتصلون ليقولوا: يا نايم وحّد الدّايم".
وفيما يتعلق بمهام قسم "خدمات المشتركين" فيجملها أحد المسؤولين في إحدى الشّركات الخاصة بإعطاء المعلومات الكاملة بشأنِ الخدماتِ والعروض التي تُقدّمها الشّركة، أو الإجابة عن الاستفسارات التي تُطرح فيما يتعلق بكيفيّة استخدام الخدمات وإضافتها وإلغائها، فضلا عن حل المشاكل التي قد يواجهها المشترك.
وينوه إلى أنه "ليس من شأن الموظّف أن يقدّمَ النصائح الشخصية أو الحديث عن مشاكل المشترك العائلية والعاطفيّة فنحن لسنا مرشدين اجتماعيين"، مؤكدا "أن جودة الخدمة وإنجاز العمل بصورة مثالية من أولوياتنا".
زميل كرم (وسيم)، أبدى تفاجأه بجرأة بعض المشتركين عندما يخوضون في المشاكل العائليّة والشخصيّة، في معرض حديثهم عن مشكلة ما سبّبها لهم الهاتف، من خلال رسالةٍ ما، أو رقم يتصل باستمرار عليهم مثلا، ما يثير الشّكوك لدى بقية أفراد الأسرة.
ومما يعلق بذاكرته من مواقف يقول "إن مشتركة اتصلت به ذات مرة لتستنجد؛ إذ إن زوجها سيطلقها ظانّا أنها تخونه، بسبب رقم ما يعاكسها"، مضيفا "نضطر أحيانا لسماعِ المتصلين إلى حدٍّ معيّن؛ لأنّنا لا نستطيع مقاطعتهم بشكلٍ مباشر، إذ يجب أن نلتزم باللباقة".
وبخصوص بوح المشتركين للموظّفين، تبين اختصاصية علم النفس أنديرا عثمان، أن "هذه التّصرّفات الصادرة عنهم هي نتيجة لعدم إحساسهم بالثّقة في محيطهم الاجتماعي"، مشيرة إلى أنهم "يتّصلون على "مراكز خدمات المشتركين"؛ لأنهم سيقولون ما يشاؤون لعلمهم أن مُتَلَقي الاتصال لن يُفشي أسرارهم، وسيستمع لهم فقط، من دون أن يُنظّر ويُصدر أحكاما وينتقد، وهذا ما يحتاجونه، أن يتكلّموا لا أكثر ولا أقل، وهذا بحد ذاته راحة لهم".
وعن مدى تعاطف الموظفين مع المشتركين يقول وسيم "أحيانا نتعاطف مع بعض الحالات، غير أننا لا نستطيع فعل شيء حيال هذا الأمر؛ لأنّ عملنا يقتضي أن نتّبع إجراءت معينة ضمنَ إطارٍ وحدود عملنا".
وفي السياق نفسه يرى خبير مهارات الاتصال والقيادة الشخصية ماهر سلامة، أن على موظّف مركز خدمة الجمهور "أن يتمتّع بكفاءةٍ عالية، وأن يكون ملمّاً بمنتجات شركته، إلى جانب الدقة في إعطاء المعلومات وإيصالها تجَنّبا لأي التباسٍ قد يقع فيه المشترك"، مشددا على "أهمّية دور الإدارة وحرصها على تأهيل الموظّفين وتوعيتهم".
ويفرق سلامة بين مهارتي: "الاستماع والكلام" أما مهارة الاستماع فهي مهارة أساسيّة ومهمة للغاية، وهنا على الموظّف، وفق سلامة، أن يستمع للمشترك حتّى نهاية كلامه، وألا يجيب عن السؤال قبل اكتماله، إلى جانب ضرورة التعامل مع كل مشترك كحالة مستقلّة من دون أن يخلط بين الحالات، ومن دون أن يضع افتراضات مُسبقة لما سيقال.
أمّا بالنسبة لمهارةِ "الكلام" فتتضمن "الدّقة في نقل المعلومات وتحديدها، وذلك سيسهم في تحسين الخدمة، كما سيكون المشترك راضيا، لأنّ الموظّف أسهب في خدمته ووضّح له الأمور بشكلٍ دقيق.
ويؤكد سلامة أهمية "الأسئلة الاستدراجية التي تُسهم في حصر المشكلة وتوضيحها حتى تُحل بشكلٍ مثاليّ، لأن غالبية المتصلين ربما يطرحون أسئلة عامة تحتاج إلى تحديد".
ولا يرى سلامة أي غضاضة في تعاطف الموظف مع المشترك، والتّعاون معه؛ لأنّ في ذلك فائدة للشركة والعملاء في آن واحد، على أن يتقن الموظف حسن التخلص والعودة للنقطة الأساسية للمتصل.





·       نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ 10-10-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق