الثلاثاء، 25 يناير 2011

الجمل الإعلانية تطارد المستهلك وتشتبك مع تفاصيله اليومية









فوزي باكير


هي كلماتٌ قليلة، ذكيّة، مألوفة، في غاية الرّشاقة والمرونة، سهلة وتتمتّع بروح الدعابة والسلاسة، تضربُ في العمق، تجرّ قارئها للتّأمل فيها ضاحكا أحيانا، ومُستثارا في أحيان أخرى، قد تقنعه، وقد لا تقنعه، ولكن في الحالتين سيلتفت لها وقد يكرّرها أمام النّاس ويشير إليها لأصدقائه... هي كلماتُ الإعلانات التي تلاحق المستهلك أينما مضى، في البيت وفي الشارع وفي العمل وفي المطعم وفي السوق وفي السيّارة.


رجائي قوّاس، متخصّص في الكتابة للإعلانات، ويعمل لموقع "على راسي دوت كُم"، وضّح شيئا من طبيعة عمله، إذ أنه يعمل عملا خاصّا به، ويعمل أيضا لشركات تُريد الإعلان عن مُنتج ما، مبينا أن هنالك فرقا بين عمله الخاص، والعمل للآخرين، إذ أن عمله الخاص غالبا هو مضحك ومُلفت وموجّه لفئة الشباب، بينما إن طلبت منه شركة إعلانات أن يكتبَ إعلانا ما "يقومون بتقديم لي شرحًا للمنتج، وطبيعة الحملة الإعلانية، والفئة المستهدفة ومتوسّط عمرها، وشكل الجملة الإعلانية المطلوبة، أي جدّية أم هزلية أم كوميدية أم شعبية مثلا."

مشيرا إلى الصعوبات التي قد تواجهه:
"أحيانا يتردّد الزّبون اتجاه الجملة الإعلانية ويرفضها، مع أنها تكون قوية ومُعبّرة وفي مكانها تماما، لكن ممكن أن تكون جريئة، أو تحملُ سِمة التجديد، فيخاف الزّبون منها ولا يقبلها."

ووضّح قوّاس أن طبيعة الجملة الإعلانية يجب أن تكون ذكية ومقتضبة ولها وقع على متلقّيها. "فأحيانا نأتي بأفكار وجمل جديدة، وأحيانا أستخدم جملة منتشرة بكثرة بين الشباب وأوظّفها في سياق معيّن تلفت له الفئة المستهدفة."
ممثلا ذلك بما يُسمّى "بالتأثير النفسي العكسي"، فالمجتمع الأردني معروف بأنه "كِشِر" والتي تُعد في بعض الأحيان صفة سلبية، ولكن قام قوّاس باستغلالها بشكل إيجابي في إحدى حملات موقع "على راسي" إذ أطلق شعار "كشرتنا هيبتنا" وبيّن أن هذا الشعار كان مُلفتا ومؤثرا على فئة الشباب.

سليمان عوض، شاب مهتم بالإعلانات وتلفته، وضّح كيفية تعامله معها
"هناك إعلانات تجذبني وفي إعلانات تنفرني، وفقا لطبيعة الإعلان والصورة المستخدمة والألوان والنص، فأحيانا تكون الصورة رديئة والنص ركيك ولا يتوفر فيه عامل الإبداع، كما أن طبيعة المنتج أيضا تؤثّر، فهناك منتجات لا تهمني ولا أكترث لها، وهناك منتجات أخرى تهمني بالأساس، وطريقة الإعلان عنها هي التي قد تجذبني لكي أتعرّف عليها أكثر، فهناك إعلان عصير مثلا لفتني مرّة، إذ كان جذّابا، والعبارات المستخدمة فيها شعرت أنها قريبة مني، حيث كانت قصيرة ومُعبّرة عن جودته، لدرجة أحسست أنه الأفضل في العالم! فذهبت واشتريته وكان الإعلان صادقا بالنسبة لي على الأقل، فكان العصير مميّزا."

بيد أن سامر حسونه على العكس من سليمان، إذ أنه لا يهتم بالإعلانات إطلاقا، قد يلفته أحدها لكن لا يكترث.
"فأنا إجمالا أعرف ما هي المنتجات والخدمات التي أستهلكها أو أستخدمها في حياتي العامة، ولا يلعب الإعلان معي دورا في تحفيزي لشراء سلعة معينة، قد تلفتني أحيانا جملة ما أو ألوان إعلان، لكنها لا تستثيرني في الاستفسار عن المنتج أكثر."

وضّح متخصص علم النفس الدكتور مروان الزعبي مفهوم التأثير العكسي على النفس من ناحية علمية إذ بيّن أن هناك ما يدعى بـ"النفس العكسي"، هو أسلوب نفسي يستخدم في التسويق أو في تعديل السلوك، "فعادةً يوجد عند الإنسان فطرة مقاومة ما يُفرض عليه، فإن طلبت من شخص شيئا لا تريد منه أن يفعله، فيفعل ما يعاكسه، وهذا الذي ما تريده فعليا أنت، تطلب منه عكس ما تريد، كي يفعل ما تريد! وهذا  أسلوب تحكّم."

موضّحا أيضا استخدام التكرار في الجمل الإعلانية، والذي من خلاله تأخذ الجملة حيزا كبيرا من الذاكرة الآنية، مما يؤدي إلى سيطرتها على المعلومات المخزنة، حيث تكون هي الأبرز.
"فالذاكرة قصيرة المدى تخزن المعلومات، وعملية استرجاع المعلومات منها سريعة جدا، وسلوك الإنسان يتأثر بمحيطه، فالتكرار يؤدي إلى تأكيد المعلومة، ومن أساليب التأثير هو الإصرار، ففي الإعلان حث وإلحالح على شراء المنتج، فممكن أن يدعوني لشراء المنتج وتجربته من شدّة إلحاحه الذي يكون في تكرار هذا الإعلان أينما ذهبت."

طارق حدّاد، مدير تسويق لإحدى الشركات الكبر في الأردن، بين كيفية انتقائهم للجمل المستخدمة في الإعلانات حيث وضّح أنه على الجملة أن يكون أثرها طويل المدى على المستهلك، ولها وقع وأثر إيجابي عليه. "وعليها أن تنقل الفكرة والرسالة من خلال المنتج، فعندما تُقدّم شركة الإعلانات لنا الأفكار، نقوم  بدراستها، وهذا الأمر ليس سهلا، فيأخذ وقتا منا، فعلى الجملة الإعلانية توصل رسالتنا بشكل واضح وسهل على المتلقّي، وعليها أن تعبّر عن الرؤيا والتطلعات التي تحملها شركتنا."

وعن الصعوبات التي تواجههم، وضّح حدّاد:
"نقوم بدراسة ردود فعل المستهلكين بعد تلقيهم هذه الجملة، وأحيانا نجد أن فئة من المستهلكين لم تفهم الجملة، أو ظنّوا بها سوءًا، لهذا ندرس الجمل بشكل جيد ودقيق حتى تلائم جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن اختلاف طبقاته." 


نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ: 27-12-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق