الثلاثاء، 25 يناير 2011

أمثال شعبية تمثل الشارع الخلفي للحضارة وتدعو للانهزامية

مجموعة من الأمثال الشعبية التي تحض على الاستسلام والخنوع - (الغد)



فوزي باكير


"بوس الكلب من تمّه، لتاخد حاجتك منّه!"، "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، "الإيد اللي بتضربك، بوسها، وادعي عليها بالكسر!!".. عبارات موروثة يتداولها كثيرون، في مواقف بعينها، تحض على الاستسلام والسلبية.
وفي الوقت الذي يعجّ التراث بالأمثال القيّمة التي تعزز مفاهيم أخلاقية وقيما اجتماعية، في المقابل، توجد بعض الأمثال التي يتيح التأمل في معناها إلى ضرورة نبذها، لما لها من دور في الشعور بالخذلان والإذلال والمهانة.

العشريني أحمد سرور يمقت بعض الأمثال الشعبية التي لا ينفك أحد كبار أسرته يرددها على مسامعه كلما تعرض لموقف بعينه، ويستذكر من تلك الأمثال "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، الذي قيل له عندما تعرض لحادث في عمله السابق، ورفض أن يعمل وفق "عقلية القطيع" بحسب وصفه، مصرا على التمسك بقول الحق وإن كلفه ذلك ثمنا باهظا.
ويرى سرور أن هذا النوع من الأمثال يحث على "الاستسلام والتراخي، ولا ينطوي على حكمة حقيقية".
الأمثال الشعبية في أي مجتمع هي "خلاصة الحكمة والتجربة بكلام وجيز وعبارات مقتضبة"، وفق اختصاصي التراث الأردني نايف النوايسة، الذي يعزو سبب ظهورها لطبيعة المجتمع الذي قيلت فيه في زمن كان للمجتمع آنذاك شخصيته وأسلوبه في تعاطي الحياة سياسيا وثقافيا واجتماعيا، كما أنها "المعبر عن حكمة الشعوب".
ويوضح النوايسة أن للأمثال وجهين الأول سلبي "ويمثل الشارع الخلفي للحضارة، المسكوت عنه"، منوها إلى أن هذا النوع من الأمثال "يحرض على الكسل" على شاكلة: "حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس"، الذي يدعو "للاستسلام والهروب".
أما الوجه الآخر للأمثال فهو إيجابي، وهذه الأمثال مواكبة للمجتمعات القوية، مشيرا إلى أن هذا الأمر "ينسحب على كل أنواع التعبير الأدبي "شعبيا كان أم فصيحا"، كما يرى ابن خلدون؛ مدللا على ذلك بالغناء فإن كان راقيا ومتطورا فهو نابع من "مجتمع قويّ وواع ومثقّف"، وإذا "هبط فهو نتاج مجتمع هابط".
من جهته يحيل اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، مسألة تأثير المثل على مستخدمه لـ"ثقافته"، منوها إلى أنه "يدلّ على نقص في مخزونه الثقافي والاجتماعي".
وينوه محادين إلى أن الثقافة السمعية "هي الأكثر سيطرة على مجتمعنا، بخلاف الثقافة المقروءة"، وكثير من مستخدمي الأمثال السلبية "لم يدركوا مضامينها لاسيما أن المثل، يمثّل كثافة دلالية لا تخلو من الحكمة".
غير أن محادين يرى أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه الأمثال "معمّمة"، إذ إنّ الأمثال كالأشخاص، كلّ منها يحمل خصائصه المميزة، التي تجعله متفردا عن الآخر، فيتم استخدام المثل من دون الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة التي يمكن أن يُبنى عليها محتواه وآفاقه الدلالية.
وعن تأثير الأمثال الاجتماعيّة يقول محادين: إن الأمثال لها شرط اجتماعي وفقا للزمن والحالة التي نتج عنها أو قيل فيها المثل، مضيفا "ما يحصل الآن أن الأمثال تُقال في سياقات زمانية ومكانية لا تمُت لها بصلة، لكنها تُفرض دونما وعي وانتباه".
الخطورة تكمن في تداول هذا النوع من الأمثال، وفق محادين، كونها "تتقافز على ألسنة الناس من دون أن تلامس شغاف وعيهم"، والأهمية التأثيرية تكمن في سرعة انتقالها كعصارة لتجربة ما من جيل إلى آخر، في واقع لا يشترط فيه اختبار مضامين هذا المثل أو ذاك، فضلا عن أن بعض الأمثال "تكرس السلبية على وجه التحديد".
وفي السياق نفسه يرى اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب أن الأمثال التي تدل على الانهزامية هي "موروث اجتماعيّ تراكميّ"، مُستدلا عليها من خلال نفسية المجتمع الذي يستخدمها كصيغة تبريرية لعدم قدرته على العطاء والمبادرة، فالاستعمار الثقافي والفكري لعبا دورا في ترسيخ هذه المفاهيم، "التي تُعدّ ثقافة خوف، ناتجة عن تخلّف مجتمعاتنا عن سواها، وحالة الضعف المتمثلة في تراجعها الفكري والعلمي والاجتماعي، وغياب الاقتراحات الإبداعية الحقيقية".
من جانبه يبين صاحب كتاب "المرأة في المثل الشعبيّ" الزميل حسين نشوان أن الأمثال "تأتي كتشريع في ظل الثقافة الشفوية"، وهو "تشريع مُلزمٌ وله سلطة"، فعندما يقول أحدهم "كما قال المثل" تجد الجميع يُصغي له بانتباه، كأنه سيقول "شيئا مقدّسا ولا يُناقش".
ويلفت نشوان إلى أن شعبية الأمثال عائدة إلى أنها تتميز بقصر جملها وشعريّتها وتمتعها بالإيقاع، لهذا تحفظ بسهولة وتبقى راسخة، كما أنها تتناول كل ما يتعلق بالحياة من مناسبات مختلفة، فهي شاملة وعامّة، وذات فاعلية اجتماعية.
فيما يتعلق بالأمثال الشعبية التي تحط من قيمة المرأة على غرار "همّ البنات للممات"، "الولايا رزايا"، فيرفض نشوان تداولها، مشددا على أن صورة المرأة في المثل الشعبي تتناقض مع واقعها الاجتماعي الحقيقي ومكانتها الحالية، منوها إلى أنها حقّقت إنجازات على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية، غير أن بعض الأمثال "تهمشها".
ويشير نشوان إلى أن "الأمثال نتجت عن تراكم معرفي تداخلت فيه الحقب، دونما انتقاء للأمثال"، مبينا أن المثل أصبح "كالأسطورة بتفرّده! فلا يلغى ويبقى ملصقا بالحياة، دونما انسجام زمني أو مكاني"، منوها إلى أنها غدت تندرج تحت المعرفة الثقافية التي "تُجيز اللامنطق في سياق الواقع"، مؤكدا أن المثل قديما، "كان يرصد واقع الحياة في وقتها، لكنه الآن صار يؤثر بسلطته التي تحكم على واقعنا الحالي من خلال وقائع قديمة، ليست موجودة الآن، ولا تمت لواقعنا بصلة."

    


نشر في صحيفة الغد
بتاريخ 9-12-2010

هناك تعليق واحد:

  1. أخشى على هذا المقال من كلمة أقولها فتُنقص من حقها..

    ردحذف