الثلاثاء، 25 يناير 2011

"العرّيط": شخصية متكررة يفرزها التمسك بالمظاهر وضعف الثقة بالنفس




فوزي باكير


معروف بصفاته المألوفة، وأسلوبه في الكلام، وبانتقائه لملابسه، ومفرداته، والتي غالبا ما تكون خليطا بين العربية والإنجليزية، عيناه وسيلته لإخفاء الحقيقة، إذ تبقيان دائمتيّ الارتجاف والمراقبة، كي لا ينتبه أحد لكذبه ومزاعمه حول الثراء والبذخ، في حين أنه لا يملك، في واقع الأمر شيئا، حتى مفاتيح السيارة التي يحملها مزيفة.. إنه وبكل وضوح ما يسمى بـ"العرّيط     "!
وهو غالبا ما يردد في جلساته عبارات من قبيل: "قميصي هذا يبلغ سعره 100 دينار، اشتريته من شارع الوكالات، من عند ...
حذائي حصلت عليه بسعر بسيط، لم يتجاوز 250 دينارا، اشتريته من عند ... في أحد المولات! لا أفضّل شراء ملابس التنزيلات، لأنها مُستهلكة ومتداولة، والكلّ يرتدي مثلها!".
ويزيد من مزاعمه، قائلا: "سيارتي بقيت مع أمي، لكي تخرج مع صديقاتها لتناول إفطارها المكوّن من "الكروسان" و"القهوة الفرنسية"...
وفي اليوم التالي يأتي بلا سيّارة، لأن أمه اصطدمت بسيارة أخرى بعد عودتها من السوق، علما أن تسوقها كلّف حوالي 1000 دينار، وسيشتري له أبوه واحدة أفضل منها بعد شهر! وما هي إلا حجة تُبرّر بقاءه من دون سيارة!
ويرى العشريني سليمان أديب أن هذا الشخص "العريط" يعاني من عقدة نقص "فغالبا ما يكون محيطه الاجتماعي متفوقا عليه ماديا، مثلا، أو اجتماعيا، فيسعى لإظهار نفسه على أنه الأفضل".
وكان سليمان مرّ بتجربة من هذا النوع، مع شخص يملك صفة "العريط"، ويقول: "كان كثير الكذب والثرثرة، ويؤلف قصصا غير واقعية عن نفسه، يرتبط بعضها بمغامرات مع نساء، وكنت أسايره، وأصغي إليه بهدف الاستمتاع بتلك القصص التي يطرحها هذا الذي يعاني، في رأيي، من مرض نفسي".
ويضيف "لكنه كان في بعض الأحيان يبالغ كثيرا في كذبه وادعاءاته، ما أدى إلى نفوري منه، وزادت حدّة لهجتي تجاهه، ولم أعد أطيق مسايرته أو حتى التحدث معه".
كما أن الفتيات أيضا يلعبن هذا الدور، إذ يدّعي بعضهن كثيرا من الأمور التي لا يملكنها حقيقة، لتحقيق عدة أهداف.
هبة، البالغة من العمر 27 عاما، مرّت بتجربة مع فتاة في الجامعة من هذا النوع، واتفقت هبة مع سليمان في طرحها مصطلح "عقدة النقص" التي تعاني منها زميلتها، موضحة أن تلك الفتاة أتت من السعودية لتدرس في الجامعة، وكانت تريد أن تُقدّم نفسها كفتاة تملك مالا، كون أهلها يعملون هناك، مع أن وضعهم المادي في الحقيقة عادي جدا.
"كانت تقوم بصبغ شعرها مثلا لكي تلفت نظر الشباب، وأيضا لتُظهر جمالها الأنثوي، من خلال ملابسها، وكانت تدعي أنها ابتاعت ملابسها بأسعار باهظة، ومن أماكن لا تبيع إلا ماركات عالمية مشهورة، كما كانت تحاول الحط من الآخرين والانتقاص منهم، بوصفهم كما يقولون بالعاميّة "حفرتَلة"، لإظهار نفسها بأنها أكثر تميزا! وكانت ترتدي البنطال نفسه باستمرار، بحجة أن الجامعة لا تستحق أن تنوع بارتداء ملابسها.
وتؤكد هبة أن تلك الفتاة كانت تسعى إلى جذب الشباب الذين يملكون المال والسيّارات، وكانت تنجح أحيانا في ذلك!
وتضيف "حاولتُ أن أقنعها أن سلوكها هذا ليس صحيحا، وما هو إلا زيف، ففي نهاية الأمر كنت أشفق عليها، فهي بالفعل ليست سيئة، لكن محيطها الاجتماعي الذي يحب المظاهر أجبرها على ذلك".
بدورها، تروي حلا قصتها مع شخص أراد أن يتزوجها، واصفة إياه بأنه "سيد العراطين"، وتقول "هو شخص بسيط ويعيش في منطقة شعبية في الأساس، لكنه لم يتحدث عن ذاته من هذا المنطلق، وحين شاهدني أكثر من مرة في الجامعة، أراد الحديث معي والتقدم لخطبتي".
وبعد رفضها للارتباط به، عمل على إضافتها على الفيسبوك، وعرض العديد من الصور له في مزارع فارهة، والتقط لنفسه عددا من الصور بالقرب من سيارات حديثة، وبمبالغ كبيرة، بوصفها له ولعائلته.
وتضيف "كانت تصل لي أخباره عن طريق أصدقاء مشتركين بيني وبينه، بأنه يعمل على إقامة شركة سياحية باسمه"، وبعد الرفض القطعي له وللارتباط به، زعم لها بأنه سيخطب أخرى في يوم محدد في أحد الفنادق.
ولتثبت له حسن نيتها، قامت بالاستفسار عن الموعد من خلال الاتصال بالفندق، والسؤال عن موعد حفل الشخص "الفلاني"، غير أن إدارة الفندق نفت أن يكون هناك حجز بهذا الاسم، بل أكدت لها الإدارة أنه لا وجود لأي حفل خطبة في ذلك اليوم.
ويرى أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة البلقاء د.حسين الخزاعي أن هذه السلوكيات تعد من القيم الجديدة التي بدأت تتفشى في المجتمع، وتُسمّى بـ"التباهي الكاذب"، وتنتج عن التقليد الأعمى للأصدقاء، حتى في كلامهم أحيانا.
ويعزو الخزاعي السبب إلى غياب التوعية والإرشاد من قبل الأسرة، كما أنها ترتبط بعدم الاعتراف بالواقع والهروب منه، من خلال مجاراة الأصدقاء عبر الكذب والادعاء.
وحول مخاطر هذه الظاهرة، يبين الخزاعي أنها "تؤدي إلى مزيد من المعاناة النفسية الذاتية، إذ يضع الشباب أنفسهم في قالب اجتماعي ليس لهم، كما أنها قد تؤدي إلى إدمان على هذه الظاهرة، وتبقى مصاحبةً لمن يدّعيها، وقد يعلمها مستقبلا لأبنائه، ما سيولد عدم القناعة، حتى لو حصل (العرّيط) على ما يفتقده".
ويضيف: "ستجر هذه المشكلة أيضا عقدا نفسية تسبب لصاحبها الإحباط، وستنشر ثقافتيّ الحقد والحسد".
أما علم النفس، فيحيل هذه المسألة إلى مشكلة ضعف الثقة بالنفس، إذ يوضح الدكتور جمال الخطيب، أن هذه الظاهرة عبارة عن رد فعل سلبي ناتج عن ظروف الإنسان المادية السيئة التي قد يمر بها.
ويقول "للأسف، فالقيمة المادية في زمننا هي التي تعطي الإنسان قيمته، كما يقول المثل (معك قرش تساوي قرشا).
ويؤكد أن تمثل هذه الحالة على نحو كاذب قد يكون مدخلا لارتكاب المخالفات، ولنشوء اضطرابات سلوكية، من تناقضات وانفصام في الشخصية أحيانا.
ويشير إلى طرق التخلص من هذه الظاهرة بقوله "على الإنسان أن يقنع بما هو فيه، أو أن يسعى لتحسين أموره من خلال العمل الإيجابي والجدّي، لتجاوز الظرف السلبي وليس لتقليد هذا الواقع، إذ إن التقليد شكليّ لا أكثر، لكنه بعيد كل البعد عن الجوهر والحقيقة".
بدوره، يسمي اختصاصي مهارات الاتصال ماهر سلامة هذه الظاهرة بـ"الاستلاب للآخر"، مشيرا إلى أن هذه المشكلة "موجودة في مجتمعنا، ومن أسبابها الرئيسية أن التربية لدينا تقوم على المظاهر الاجتماعية، إذ إن الأهل في كثير من الأحيان يعقدون مقارنة بين أبنائهم وأبناء الآخرين، وتكون نتيجة هذه المقارنة أن الآخرين أفضل منا، فنرى أنفسنا من خلال الآخرين، لا من خلال ذاتنا التي قد تتفوق عليهم، ويكون سلوكنا قائما على ما يحبون ويقدّرون، لا على ما نحب نحن .!"

     

نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ 17-01-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق