الأربعاء، 2 مارس 2011

الكاريكاتير: فن يعكس سقوط أنظمة الخوف ويعلي سقف الحرية



رسم كاريكاتيري بريشة الزميل عماد حجاج يعبر عن أحداث الثورة في الشارع العربي -(الغد)





فوزي باكير





منذ بواكير انطلاقة الثورة الشعبية التونسية، التي عُرفت بـ"ثورة الياسمين"، في السابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حتّى فرار رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي، جاءت رسوم كثير من فناني الكاريكاتير لتطرح لعبة حجارة "الدومينو".

فنانو الكاريكاتير استشرفوا استشرافا بأن هذه الثورات الشعبية ستنتقل إلى بلدان عربية أخرى، ولعلّ هذا الاستشراف كان في محلّه، فبعد الثورة التونسية بأيام، اندلعت الثورة المصرية، ثم الليبية، في حين تشهد دول عربية أخرى إرهاصات مماثلة .


رسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج، يرى أن هذا الثورات تمثل فترة ازدهار لفن الكاريكاتير، "فثورة الشعوب موجة جارفة مشحونة بعواطف جياشة، تمنحنا هذا العطاء الفنّي الذي يتشابه في بعض سماته لدى الرسامين. ومن ذلك، مثلا، تساقط حجارة الدومينو، وعبارة "أنا فهمتكم"، وهي الجملة التي رددها زين العابدين بن علي، وذلك يعود إلى عوامل مشتركة بين الشعوب التي أطلقت ثوراتها، وتمثّلت في الاحتجاجات والاعتصامات، وردود أفعال السلطة من خلال "البلطجية"، فتجسد ذلك في فن الكاريكاتير"، وفق حجاج .

حجاج يؤكد، أيضا، أن هذا الفن بطبيعته فن ساخر وكوميدي، فالحدث يرسم نفسه بنفسه، "فالقذافي مثلا، هو بالفعل شخصية كاريكاتيرية متحركة، وهو من أكثر الشخصيات إغراء للرّسامين لكي يتناولوه، وذلك لطبيعة ملابسه وشكله وتقاطيع وجهه وشعره، وخطاباته الغريبة والمتناقضة أحيانا ".

وعن أثر الكاريكاتير على الشعوب، يقول حجاج "الكاريكاتير هو فن الشارع، فن تحريض الشعوب، وها نحن نجد رسومات الكاريكاتير على لافتات المتظاهرين؛ فالفنان "كارلوس لطوف"، وهو فنان برازيلي، ملأت رسوماته ميدان التحرير، كما أن هناك الكثير من رسومات الفنانين العرب كانت حاضرة".

وفي رأي حجّاج أنه لا مكان للحياد والرمادية في هذه الظروف؛ فالرسام جزء من الشارع، وهو صوت للضمير، مشيرا إلى أن "هناك بعض الفنانين تغيّر موقفهم، فبعد أن كان الموقف غريبا وغير واضح، ورسوماتهم حمالة أوجه، ركبوا الموجة وصاروا مناصرين للشعوب عقب نجاح الثورات (أي بعد تنحّي الأنظمة)! وأعطاهم الإعلام حجما كبيرا، وعرض رسوماتهم، مع أن موقفهم كان غامضا".

ويرى الفنان أمجد رسمي أن ما حدث مؤخرا من ثورات غضب في الشارع العربي مطالبة بالتغيير وإسقاط أنظمة، دفع مجموعة كبيرة من رسامي الكاريكاتير لالتقاط الأفكار من الزاوية نفسها تقريبا، "وكانت فكرة الدومينو هي الفكرة الأكثر شيوعا، لما تحمله من معنى يقترب كثيرا من الحالة، ومن وجهة نظري كانت مستهلكة نوعا ما، لكثرة تكرارها في الصحف".

ويضيف رسمي "في الحقيقة لم ألحظ كاريكاتيرات تتحدث مثلا عن مرحلة ما بعد الثورة في كل بلد، أو انتقاد لأعمال التخريب، وما يشوب الثورات أحيانا من ظواهر سلبية، فكانت الرسومات تعبر عن حالة الحماسة فقط لإسقاط النظام، ومع ذلك أتفهم هذا من قبل بعض الرسامين، وذلك كي لا تحسب عليهم مواقف قد تفسر من القارئ على أنها مناهضة أو معادية للثورة والتغيير، لكن مهنيا كان هناك خطأ في الابتعاد عن المواضيع المذكورة، وانتقادها كظواهر خطيرة".

وفيما يتعلق بالارتباط والتداخل بين الثورة والكاريكاتير، يقول رسمي "الثورة أضافت للكاريكاتير، والكاريكاتير أضاف لها، فقد شجعت ثورات التغيير الرسامين على طرح الموضوع بشكل أكثر جرأة وثقة، مستمدين هذه الجرأة من الشارع والرأي العام، ورغبة الآخرين في التغيير بقوة، وعلى مدى سنوات كثيرة كانت السخرية من الزعماء على نحو مباشر شبه محرمة، لكن الآن، لم يعد هناك ما هو محرم فيما يتعلق بالسلطة العليا، وبوسع الشارع أن يقول كلمته".

ويضيف "يعبر الكاريكاتير عن نبض هذا الشارع، لذلك، لا يمكن أن يكون الرسام محايدا في هذا الظرف التاريخي، علما أن الرسام الحقيقي لا يعرف الحياد أصلا حتى في ظل الظروف العادية، لأنه يتحيز دائما للصواب والحقيقة، وللضعيف والمظلوم".

أما بخصوص إضافة الكاريكاتير إلى الثورة، فيلخّصها رسمي "بتقزيم الزعيم والسخرية من هيبته وهالته، ما يشجع الشارع أيضا، ويعطيه دفعة إضافية لمواصلة الغضب من دون خوف أو تردد، ولذا لعبت السخرية دورا مهما في إضافة نكهة حماسية على الثورة، وإعطائها طابعا حضاريا أيضا".

هشام رحمة، وهو رسام كاريكاتير مصري من جيل الشباب، يبين أن حجارة الدومينو وسقوطها، كانا نتاج الثورة التونسية، "وهو شكل تقليديّ تنبّأ بسقوط الأنظمة العربية على نحو متتال، ويعود انتشار هذه الثيمة لمن فجّر فكرة الثورة، التي توضح أن الأنظمة أضعف مما توقعت الشعوب".

وعن حرية الرسم وطرح الأفكار، يرى رحمة أن الثورة أسهمت في ذلك، ورفعت من سقف الحرية، فخلال السنوات الخمس الماضية، لم يكن يجرؤ أحد أن يمس النظام أو الجيش في رسمه، "لكن بعد الثورة تم تجاوز كل الحدود، وتمكنا من السخرية والتعبير عن الفساد، ما شكّل لنا فرحا لأننا استطعنا أن نرسم النظام كما نشاء، ونعبّر عن حقيقته ونواجهه فيها".

ويضيف "قد يكون الرسم ليس قويا أحيانا، لكن الأفكار تخاطب هواجس الشعب، وتقول ما يريد قوله".
وعن الأثر النفسي على الفنانين والمتلقين، يرى اختصاصي علم النفس، الدكتور جمال الخطيب، أن استخدام حجارة الدومينو كان مسألة متوقعة؛ "لأن العالم العربي كله يمر بالظروف نفسها، وتحمل الشعوب منظومة الوجدان والآلام والآمال والطموحات ذاتها، ولذا كان متوقعا أن تنتقل هذه الثورات التي أثبتت أن هناك أمة وقومية، على عكس ما كان مصوّرا في السابق".

وعن الفرق بين الكاريكاتير وفن المقالة الصحافية وأثرهما على المتابع، يقول الخطيب "الكاريكاتير هو مزيج من الرسم والمقال السياسي، ويقدم موقفا ومعلومة مكثفة جدا بقالب جميل ولطيف، ولذلك، فإن للكاريكاتير أثرين: أثرا مقروءا، وأثرا مرئيا، ما يجعل تأثيره الإجمالي على المتلقي مضاعفا أكثر من المقال، فيضحك القارئ لكونه ساخرا، ويعبر عما يدور في نفسه، ومن ثم فهو يعد أرقى الفنون الإعلامية والصحافية".



·       نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ 2-3-2011

هناك تعليق واحد:

  1. آراءهم جميلة .. جريئة .. تفسيرا لمعاني الصور وتماشياً مع احداث العصر الثورية بل أن الكثير مما رسمته أقلامهم كانت الصورة فيها أبلغ من أي تعليق..
    سلمت يا فوزي على الطرح الرائع .. اكرر طريقتك دوماً تجذبني للقراءة .. لا تبت يداك .

    ردحذف