الأحد، 6 مارس 2011

طلبة يلتقطون شرارة التمرد وينادون بإسقاط "النظام المدرسي"

طالبات في مدرسة الشيخ حسين في الغور الشمالي أثناء اعتصام داخل مبنى المدرسة احتجاجا على إعادة مديرتهن التي كان صدر قرار بنقلها إلى مدرسة أخرى- (الغد)






فوزي باكير



الأرجح أن أطفال اليوم، لم يعودوا يقبلون بأساليب التلقين القديمة في المدارس، التي تحدّ من جماح تفكيرهم وانطلاق خيالهم، اللذين يشكّلان العامل الأكبر في عطائهم الإبداعيّ، فمع الثورات التي تجتاح العالم العربي، ومتابعة الأطفال لها في بيوتهم، ترك كل هذا في نفوسهم أثرا ما، فأصبح منهم أيضا "ثائرون" ضد الأنظمة القديمة للمدارس، يعتصمون في ساحاتها، ويرفعون اليافطات، مطالبين بمغادرة المديرين!


ففي السابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، اضطرت الشرطة النسائية في الغور الشمالي إلى التدخل لفضّ اشتباك اندلع بين طالبات في مدرسة جسر الشيخ حسين الثانوية للبنات، وأخريات من المدرسة نفسها، كن ينفذن اعتصاما داخل مبنى المدرسة، احتجاجا على إعادة مديرتهن التي كان صدر قرار بنقلها إلى مدرسة أخرى.

ويطالب العديد من معلمات المدرسة، في عريضة رفعت إلى كل من وزير التربية والتعليم، ومدير تربية اللواء، بنقل المديرة إلى مدرسة أخرى، لأنها، على حدّ قولهنّ، "تتبع أسلوبا مجحفا بحقهن ويوثر على سير العملية التربوية في المدرسة".

كما يقلن إن مديرة المدرسة "تطيل الحديث في الطابور الصباحي، وتتجاوز المدة الزمنية المخصصة له، عدا أن حديثها يتضمن جملة من الإهانات بحق المعلمات وعلى مسامع المجتمع المحلي".
ويشرن إلى أن الطابور الصباحي يتجاوز وقته نصف ساعة، من زمن الحصة الأولى، ما يؤدي إلى سقوط بعض الطالبات أرضا، وجلوس أخريات بسبب التعب.

وتضيف المعلمات أن المديرة تعقد اجتماعات مطولة تمتد لساعتين، حيث تتم مناقشة أمور تعليمية لمدة نصف ساعة، ثم تقوم بتوجيه "الاتهامات والإهانات والشتائم لهن، مستخدمة ألفاظا مسيئة".
كما شددت طالبات من المدرسة، نفسها، على ضرورة نقل المديرة لكي تعود المناخات التربوية إلى أوضاعها الطبيعية، مؤكدات أن الوضع في المدرسة "لا يطاق"، وأنهن متخوفات من النتائج النهائية، لعدم انتظام المعلمات بإعطاء الحصص المدرسية.

عودة موسى برهومة، 14 عاما، طالب في الصف التاسع في إحدى المدارس الخاصة، شارك في مظاهرة خرج فيها طلاب مدرسته منذ نحو أسبوعين، ووفقا لبرهومة، كان حجز المقعد في المدرسة يكلف 50 دينارا، وتم رفع المبلغ إلى 200 دينار، كما رفعت قيمة الأقساط بنسبة 7 %  فتم الإعلان عن مظاهرة صباحية من خلال (الفيس بوك).

ويضيف "تجمعنا عند الإدارة، ثم ذهبنا وتجمعنا عند الساحة، وهتفنا (المدرسة تريد تخفيض الأقساط!)، ورفعنا لافتات كتبنا عليها مطالبنا، وهناك من الطلاب من كان يصور، واستمرت المظاهرة نحو 15 دقيقة، ثم أتى الأساتذة وصرخوا في الطلاب ليعودوا إلى الصفوف".
ويؤكّد برهومة أنه، في نهاية المطاف، "تم تخفيض رسوم حجز المقعد إلى 100 دينار، وتخفيض نسبة رفع الأقساط إلى 5 % بدلا من 7%".

ويرى الأستاذ وجيه الزّير، وهو معلم لغة إنجليزية للمرحلة الثانوية، أن هذا الحراك الطلابي المدرسي يحمل تمردا على الواقع السيئ في بعض المدارس، وعندما يرى الطلاب الثورات المندلعة في بعض الدول العربية، فإنها "تشحنهم، ليعبروا هم أيضا عن رفضهم لواقعهم من خلال مطالب لهم، وللأسف هناك بعض الأساتذة ما يزالون يستخدمون أساليب قمعية مع الطلاب، وهناك أحيانا عدم اهتمام من الإدارة، إضافة إلى بعض التعليمات المبالغ فيها، التي تصدر بحقّ الطّلبة، ولذا فهم يعبّرون عن هذا الرفض مطالبين بحقوقهم".

ويضيف الزّير: "هذا الجيل مستقبلا سيكون أكثر وعيا، وأكثر مساهمةً وفاعلية في الحراك الاجتماعي، لأنه يكبر بناء على هذه المواقف التي يعبّر من خلالها عن نفسه، بمختلف الطرق والوسائل".

الطالب شأس خليفات، في الصف الثالث، ويبلغ من العمر ثماني سنوات، يوضّح أن طلاب صفّه، خرجوا أيضا في مظاهرة هاتفين فيها "الصف يريد تغيير النظام!"، كما هتفوا أيضا "يسقط نظام الصف".

ويقول خليفات "أسلوب المعلمة في التعامل معنا لا يعجبنا، لأنها دائمة الصّراخ، وترهقنا بالكثير من الواجبات المنزلية، وأحيانا يعاقبوننا بحرماننا من الفرصة، وذلك لأن مزحنا نحن الطلاب لا يعجبهم، فنظمنا مظاهرة رفعنا فيها لافتات تشير إلى أسلوب المعلمة معنا".

ويضيف بنشوة "حقّقنا مطالبنا وشعرنا بفرح لذلك، فلم تعد المعلمة ترفع صوتها في وجهنا، وأصبحت الواجبات المنزلية معقولة، وليس بذاك الكم الهائل".

اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور حسين محادين، يؤكد أن "الأطفال المستهدفين يقعون بين حدّين؛ الأول هو وَهْم الصورة، إذ إن البعض يعتقد أن الحياة في مجتمعه تشبه ما يراه عبر الشاشة في المجتمعات الأخرى، بصورة ميكانيكية، من دون إعطاء خصوصية لواقعنا الحالي، إذ يتم تعميم هذه الصورة، فيقوم الطفل بتقليد هذه الظواهر".

أما الحدّ الثاني، وفق محادين فيتمثل بأن "المشكلة لدينا هي أن فكرة الاعتصامات ليست متجذرة في حياتنا، بل المتجذر هو فكرة إلغاء الآخر، وليس الحوار معه، ولذلك يتمثل الأطفال ما يرونه في الصورة، فهذه السطوة تجعل الإنسان مندفعا نحو التجريب، ولا يشمل هذا الأطفال فقط، فالتكنولوجيا عملت على نشر ثقافة الوظيفة القصدية للصورة، وهي الإيحاء بإمكانية التجريب، والتجريب لا يعني النجاح، لأنه مرتبط ببنية المجتمع الحاضن لهذا التجريب، فإذا كان هذا المجتمع لديه مثل هذه الأعراف، يُصار إلى تقبّل السلوك، وبما أن ثقافتنا العربية لا تتمتع بمثل هذه الخصائص الحداثية للسلوك التعبيري، فإنها غالبا ما تُسيء فهم وممارسة الاعتصام".

ويوضح محادين "وبالتالي نشعر أحيانا أن هذه السلوكات الاعتصامية، على الرغم من وجاهة بعضها، إلا أنها أصبحت أقرب إلى العدوى الاجتماعية، أي نقص الحصانة في الجسم المجتمعي، مقابل نقص دقة التقدير لدى جلّ المعتصمين في قضايا لا تستحق أن ينظم من أجلها اعتصام".

علم النفس، بدوره، يحلل هذه الظاهرة، إذ يؤكد الدكتور محمد حباشنة، أن الاحتجاج باتجاه الشيء الخاطئ هو أمر إيجابيّ، "لكن بشرط، أن تكون الأمور منظمة، كي لا يؤثر ذلك على الجانب التعليمي، ويجب أن يتم تمثيل الأبناء في مجالس المعلمين والآباء، بحيث يحضر الطلاب بعضا من هذه الاجتماعات، ويوصلون آراءهم، وبهذا ستكون الديمقراطية منظمة ولا تربك العملية التعليمية".

وفيما يتعلق بهذا الجيل، يرى حباشنة أنه، ومن دون أدنى شك، سيكون له أثر مهم، "هذا الجيل أثبت عكس المتوقع، وقدم نموذجا تاريخيا، وسيقود المستقبل، ويقدّم ما هو مختلف وجديد، لتسير الأمور باتجاهاتٍ أكثر وعيا، فهو يفعل ما لم نستطع نحن أن نفعله عندما كنا في سنّهم".



·       نُشر في صحيفة الغد الأردنية
                                                           بتاريخ 6-3-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق