الثلاثاء، 5 أبريل 2011

"متلازمة طالب الطب": تشخيص خاطئ وتخيل الإصابة بالمرض


يعاني بعض طلبة الطب من وسواس نفسيّ يتعرّضون له نتيجة دراستهم وهو ما يسمى بـ"متلازمة طلبة الطب"



فوزي باكير


يتفرّد طلاب الطّب، غالبا، في تخصّصهم عن سواهم من أبناء المجتمع الجامعي، فعدد سني الدراسة أكثر، فضلا عن أن المجتمع ينظر إليهم إجمالا كطلاب متفوقين، يدرسون لساعات طويلة، ويتميزون بذكاء علميّ، من دون الانتباه إلى وسواس نفسيّ يتعرّضون له نتيجةً دراستهم، وهو ما يسمى بـ "متلازمة طالب الطّب".


ويعرف هذا الوسواس الذي يلازم طالب الطب بأنه مصطلحٌ أدبيّ لوصف نوع من الوسواس المرضي، ويظهر عندما يبدأ الشخص بالتعلم أو القراءة عن مرض معين؛ حيث يتكون لديه اعتقاد بأنه يعاني منه هو أو أحد المقربين له، ويعتبر المرض نوعا من "الأبوفنيا" وهو ما يطلق عليه تجربة رؤية الارتباطات بين أشياء لا وجود لها.


تقول طالبة سنة ثانية طب دانة أبو طربوش، التي تدرس في الجامعة الهاشمية، "في يوم كانت أختي البالغة من العمر 9 أشهر تعاني من حرارة ورشح، كالتي يصاب بها سائر الأطفال في ذلك السن"، مضيفة "بسبب ارتفاع درجات الحرارة انتشر طفح جلدي على جسمها"، وتنوه دانة "اعتقدتُ أن هناك فيروسا سبّب لها المرض"، ليزداد قلقها عندما ظنت أن الموضوع أخطر من الواقع، وعن ذلك تقول "شعرتُ بقلقٍ وخوفٍ شديدين لظنّي أن هناك مرضا مثل الحصبة أو الجدري، أو مرضا جلديا ما أجهله أصاب شقيقتي"، ما دفعها أن تلح على والدتي إلى أخذها للطبيب المختص ليتضح أن الأمر طبيعي ولك تكن هناك أية خطورة أو شيء من توقعاتي.


أما طالب السنة الرابعة طب زيد حسن، الذي يدرس في الجامعة الهاشمية، فيوضح أن ما ينتاب طالب الطب من وسواس يكون في بداية الدراسة تحديدا؛ إذ إن طالب الطب لا ييلم بجميع جوانب الأمراض وأعراضها وتفاصيلها، لاسيما النادرة والخطيرة منها، "فأي أعراض قد تمر عليه يعتقد أنها أعراض مرض خطير، مبتعدا عن الاحتمالات الأقوى والأبسط، التي لا تتجاوز أن تكون صداعا عاديا مثلا".
وفيما يتعلّق بتجربته يقول: "بالنسبة لي لم أتعرض شخصيا لهذه المتلازمة؛ لأنني كنتُ أواظب على القراءة المستمرة عن تخصصي، مثل دراسات علمية ومقالات طبية خارج الإطار الأكاديمي، فعلى طالب الطب أن يُثقّف نفسه طبيا ولا يكتفي بما يتلقّاه من الجامعة فقط".

ويبين حسن ليس طلاب الطب هم وحدهم من يعانون من هذه المتلازمة، فهناك من القرّاء العاديين الذين يقرأون عن بعض الأمراض أحيانا من مصادر مختلفة، يصيبهم هذا الوسواس، مدللا على ذلك بقوله "لي قريب مصاب بالسكري وقرأ عن المرض في الإنترنت، ورغم أن مرضه بسيط، لكن من خلال قراءته المجتزأة عن المرض ظن أن السكري متفاقم عنده وأن حالته خطيرة، ليتبيّن له أن هناك مبالغة في تقييمه لحالته".


اختصاصي جراحة الكلى والمسالك البولية الدكتور طالب الرفاعيّ، الذي مر بهذه المرحلة أثناء دراسته، يقول: إن طلاب الطب في بداياتهم يدرسون الأشياء الرّئيسية، فمثلا يدرسون الجهاز الهضمي ثم يدخلون بتفاصيله والخطورات التي قد تواجهه، مثلا، ليعرجوا على مرض القرحة، وتجد أن ألما قد يصيبه في معدته، ليظنّ أنه يعاني من قرحة! وهو لا يكاد يتجاوز المغص فعليا!.
ويضيف "الخطير أحيانا، أن بعض العيادات تُرخّص لخرّيجي الطب الذين لم يتخلصوا بعد من هذه المتلازمة، فإن جاءهم طفل يعاني من الإنلفونزا مثلا، يصرفون له أدوية تتعلق بمرضه، وأمراض أخرى ليس لها علاقة بمرضه، وذلك لعدم دقّة تشخيص الحالة، أو للبقاء ضمن دائرة الاحتمالات المرضية البعيدة عن المرض الحقيقي".

"يفترض التأكيد على طالب الطب بمراحله الدّراسية الأولى أنه ليس مُشخّصا ولا معالجا"، بل عليه مراقبة المختصين وكيفية تعاملهم مع المريض، وفق الرفاعي الذي يبين أن هذا الأمر يكسبه خبرة مع الوقت ليطبق ذلك عمليا بشكل سليم لاحقا؛ لأنه إذا لعب دور المُشخّص والمعالج في البداية "قد يؤذي المريض، ويلحق به أضرارا صحيّة".


من جهته يلفت اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب أن هذه المتلازمة "قليلة قد يمر بها الطالب في البداية وتنتهي مع مرور الوقت"، مبينا أن مسألة تشخيص الحالة المرضية "معقدة أكثر مما يظن الطالب في المرحلة الأولى من دراسته"، لكنه سيكتشف ذلك لاحقا، ويكون أكثر حرصا وحذرا في تقييم أي مرض؛ إذ عليه أن يجمع معلومات كافية عن المريض، كتقييم وضعه الصحيّ القديم، والاعتماد على صور الأشعة والنتائج والتحليلات والعديد الأمور التي يدقق فيها حتى يصل إلى حكم أو تشخيص نهائي.

وينوه الخطيب أن من طلاب الطب النفسي في الواقع قد يكونون عرضة أكثر للإصابة بالوسواس أو ما يسمى متلازمة دراسة الطب، عازيا ذلك "لقلة محدّدات تشخيص الأمراض النفسية"؛ إذ يكون للخيال حيّزا أكبر في إصدار الأحكام، لكن الذي يجعلهم يتجاوزن هذه الحالة هو أن الطب النفسي مرحلة متقدمة، يدرسونها لاحقا، فيكونون أكثر وعيا حيال الحالات المرضية والحكم عليها ومعالجتها".



نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ 1-04-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق