الثلاثاء، 5 يوليو 2011

أميمة الخليل: الأغنية فعل ثوري يلقي الضوء على الهمّ الإنساني

تؤكد الخليل أن تجربتها مع خليفة تطغى على تجربتها مع سبليني، فالأخيرة ما تزال في طور التأسيس - (تصوير: محمد مريش)





فوزي باكير





جاءت من بلاد الأرز، البحر من شرق روحها يمنحُ زرقته، والأخضر من شمال الروح يمنح المسافة صوتا يانعا، غنّت للأطفال وللوطن وللباحثين عن حرّيتهم ثائرين على الطّغاة، ليتكامل وطن الأنبياء والشهداء ولزارعين، فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لنشيدها..

وفي حديث الفنانة أميمة الخليل "للغد"، تناولت مسألة الغناء للوطن، وخصوصا طريقة رصد ثورات الربيع العربيّ التي تشهدها الآن، إذ ترى أن الفنّان لديه رؤيا غالبا ما تكون أشمل وأوسع من إطار الحدث أو اللحظة، "والمفروض أن الفن يسبق الحدث ويلقي الضوء على الهموم الإنسانية قبل وقوع الحدث نفسه".


وتبيّن أن الأغنية ضمن مفهومها الخاص هي فعل ثورة فنّيّة قبل الثورة الشعبيّة وخلالها وبعدها، "وأنا أبحث عن جمالية ما فيها، أنتجتها هذه التحركات المجتمعية العديدة والمختلفة الأشكال، وأصورها ضمن رؤيتي".

وتضيف الخليل "حسب ما يبدو لي، فإن ابني (ندي)، سيتابع هذه الثورة وينخرط في شعابها. والطريق طويل، وقدر كل إنسان عاقل وطامح لحياةٍ كريمة وحرّة أن يمشيه".

وعن ارتباط هذه الثوارت بالذائقة الفنّية للمجتمعات العربية، واحتمالية الارتقاء بها، فترى الخليل، المولودة في الجنوب اللبناني في العام 1966، أن الذائقة الفنية سليمة، والمتلقّي ذكي برأييها، "ولكن ليس بيده حيلة أمام إصرار الفضائيات والراديوهات والمجلّات الفنية على ما تقدّمه من (فن)، سوى أن يحفظ هذه المادة الفنية الموجودة من كثرة ما يسمعها".

وتتساءل الخليل "هل هذا ما يقتنيه المتلقّي من فنّ في بيته؟ هل من نراهم ونسمعهم اليوم من عارضات أزياء وراقصات مغنّيات ومغنّين هم مَن نريد لأبنائنا أن يقتدوا بهم؟".
وتجيب على تساؤلها بـ"لا أظن".

بدأت الخليل مشوارها الفني مع فرقة "الميادين" بقيادة الفنان مارسيل خليفة، والتي ارتبط اسمها باسمه ارتباطا وثيقا لما قدّمته من أعمال من ألحانه، أو بمشاركته، مثل اشتراكها معه بـ"غنائية أحمد العربيّ"، والعديد من الأعمال الأخرى، وعن هذه الارتباط فتقول الخليل "هُويّتي هي شخصيّة أميمة الخليل التي تعرفونها، وهناك تطور طبيعيّ حصل لهذه الشخصيّة مع تطوّر الزّمن وبتواجد الأشخاص الذين يحيطون بي، ومنهم مارسيل طبعا، وعملي المستمر معه".

وتؤكد الخليل استقلالية هذه الشخصيّة الفنية، إذ تبين أنه من الطبيعي لها أن تغنّي فنّها وفكرها وروحها بالتعرف والعمل على موسيقى آتية من العالم من أمكنة كثيرة وإيقاعات حياتية ومتنوعة، "إيقاعات مرتبطة بشعوب كثيرة يشاطروننا هذا الكوكب".

زوج صاحبة أغنية "بعد اللي بحبه" هو الملحن والموزع المبدع هاني سبليني، والتي قدّمت معه أعمالا مميزة أيضا، مثل ألبوم "يا سيدي"، وبهذه التجربة تكون نوّعت الخليل في طرح أشكال مختلفة من الهواجس الموسيقية والفنية، وعن تجربتيها مع خليفة وسبليني فتقول "التجربتان مختلفتان، فالأولى تشرّبتها صغيرة، تغلغلت فيّ قطرةً قطرة، والثانية، اكتشفت جمالياتها كبيرة، وتكتشفني قطرة قطرة"!

ولا تستطيع الخليل تحديد العلاقة بين التجربتين بدقّة، لكنها  تستطيع أن تقول "إنّ هناك تقاطع بين من يحرّك كل واحدة منهما، مع تحفّظي على المقارنة بينهما. فيطلق كل من الموسيقيّين على حدة هاجسي تبعا لنبضه الخاص". مؤكّدة أن تجربتها مع خليفة هي التي تطغى على تجربتها مع هاني، "فالأخيرة ما زالت في طور التأسيس وهي تحتاج إلى تراكم يأتي مع الوقت بطبيعة الحال".


"عم تغمس برا الصحن
وتطحن حكي ونازل طحن
بعد شوي جاي الشحن
يشحن حكيك عالنورماندي
صار لازم تسكت يا بعدي".

هذا مقطع من أغنية الخليل "إلى آخره"، والتي ألفها الشاعر محمد عبدالله، الأغنية ساخرة وأقرب ما تكون إلى السياسية في سخريتها، ولم تغنّ الخليل كثيرا من هذه النوع من الأغاني، مؤكّدة أن "إلى آخره" ليست تجريبية مطلقا، "بل في صميم عملي مع هاني".

وتبيّن الخليل، أن الشاعر عبدالله، أحد الشعراء المفضلين لديها، "ولا أجد مفرّا من العمل معه في ألبوماتي القادمة، وذلك للأثر الجميل والعميق، وللجدل الذي يحرّكه فيك هذا الشاعر، فعندما يكتب، يكتب بطريقة واضحة المغزى والهدف".

وتشير الخليل، صاحبة "قلبي العطشان" إلى ملحن الأغنية، الفنان عبود السعدي، والذي برأيها هو أيضا من الموسيقيين المبدعين في الوطن العربيّ، "ولا أستطيع تصوّر إصدار عمل جديد لي، دون هذين الاسمين".

أعادت الخليل إنتاج وتوزيع بعض الأغاني التي استعادتها من المكتبة العربية القديمة، مثل "يا حبيبي تعال الحقني" و"طلعت يا محلا نورها"، بالعمل مع خليفة وسبليني، وتقول أميمة في هذه التجربة "كانت تجربة جريئة جدا ورائدة، فهي بدأت عام 1997 وأنجزت في العام 2000، ولا شك عندي بنجاحها واستقرارها في موقع متقدم بين الأعمال الموسيقية المنجزة في ذلك الوقت، ونحن نعمل حاليا على إنجاز ترتيبها لتُقدّم على المسرح كما هي مسجّلة".

تتمتّع الخليل بقدرة متميزة على الغناء دونما آلات موسيقية ترافقه، وسجلت العديد من الأغاني بهذه الطريقة، مثل "العائد"، و"طرقات وضجيج"، وتبيّن الخليل أن الغناء بدون مصاحبة الآلات الموسيقية كان تحدّ صعب، "فلطالما وضعني مارسيل أمامه، متحدية نفسي، متغلبة على خوفي، وربما فعل ذلك لاكتشافه جمالية معيّنة في الصوت العاري".

وعن الإضافة التي قدّمتها أميمة للأغنية من خلال هذا الصوت العاري توقل "الإضافة هنا هي تعبير مختلف يختزل عدة أصوات ويشبع النغمات في المقطوعة المغنّاة، مقنعا الحضور بهذا التعبير المجرد من الآلات وجعله مكتفيا بهذا بالصوت فقط".

غنّت أميمة للعديد من الشعراء العرب المهمين، مثل الشاعر محمود درويش في الفصحى، والشاعر طلال حيدر في المحكية اللبنانية، وهذا تنوع متميز بين اللهجتين التي ترى الخليل أن البلاغة موجودة في كلتيهما، مثل الموسيقى من جهة والإيقاع من أخرى، وتجد الخليل أن الفصحى أشمل، وتطال كل المواطنين العرب، وتصل إليهم بسهولة أكثر من العامية المستعملة داخل البلدان العربية، وتختلف بين بلد وآخر، "فالفصحى جامعة من هذه الناحية، وبالنسبة لي، أكون ميالة للفصحى أحيانا وللعامية في أحيان أخرى، وأظن هذا الأمر يرجع لطريقة كتابة الفكرة وإيقاع الكلمة".

وهناك تنوّع في الأغاني التي تقدّمها الخليل بما يتعلّق بمسألة اللحن، فمنه ما هو غربي مثل موسيقى الجاز، ومنها ما هو شرقي على المقامات العربية، وكما وضّحت، فهي ليست من محبّذي التعصّب في هذا الأمر،  إذ ترى أنه في النهاية أو في البداية ربما، "إن القصيدة أو النص هما المحرّكان لوضع خريطة اللحن والجمل الموسيقية، بالتالي الشكل الموسيقي المعتمد قلة ما يهمني طالما أنه يحتوي النص الشعري بجمال وانسجام".

وعن غياب الخليل عن محبيها، التي لا تطلّ كثرا عليه من خلال حفل أو عمل ما، تقول "أطلّ عليكم عندما أريد أن أقول شيئا لكم، إن كان عن عمل جديد صدر حديثا أو لقاء حواري يتيح لي الفرصة للتعبير عن أفكاري وآرائي بطريقة غير مجتزأة".

وترد التأخير في الإصدارات الجديدة، لقلة توافر الإمكانات الإنتاجية لديها، مما يبطئ عملية التسجيل، "والحديث يطول في هذه المسألة".

وبينت الخليل أنها الآن تحضر لثلاثة أعمال؛ "صوت" مع مارسيل خليفة، وأسماء مشرفة من نخبة شعرائنا مثل أغنية "مطر" للشاعر العراقي بدر شاكر السياب، "وسيكون هناك قراءة أوركسترالية لهذه القصيدة من المؤلف اللبناني المميز بموهبته وحساسيّته ومعرفته العميقة للكتابة للأوركيسرا عبدالله المصري".

وكذلك هناك "بسهر أنا وياك" العمل المنتظر من هاني سبليني وعبود السعدي وشعراء أصدقاء من لبنان.







نُشر في صحيفة الغد
بتاريخ 26-06-2011







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق